إقبال الجامعيات الأردنيات على العمل يعزز الاكتفاء وتحدي العيب .. قمر وهيفا انموذجا

{title}

نمو ظاهرة عمل الفتيات الجامعيات في السوق الأردنية

جوترند- أصبحت مشاهد عمل الفتيات الأردنيات، خاصةً الطالبات الجامعيات، أمراً متزايداً في سوق العمل الأردني. حيث أصبحت قطاعات المطاعم والمقاهي، ومحلات بيع الإكسسوارات، والخزف، والملابس، بالإضافة إلى قطاع التوصيل وحتى التاكسي، تستقبل أعداداً متزايدة من الشابات. وتأتي هذه الظاهرة كنتيجة لتجاوز ما يُعرف بـ "ثقافة العيب" السائدة في المجتمع، في ظل التطورات الاقتصادية والاجتماعية. وتشير آراء الخبراء والطالبات العاملات إلى أن الدافع لهذا الانخراط يعود لعدة عوامل اقتصادية، منها ارتفاع تكاليف المعيشة، ورسوم الدراسة، وحب التجربة، والاعتماد على الذات، إضافة إلى رغبة بعض الشابات في مساعدة أسرهن.

الإحصائيات تشير إلى مشاركة متزايدة للمرأة الأردنية في سوق العمل

وفقاً لإحصائيات وزارة التعليم الأردنية، يبلغ عدد الطالبات المسجلات في الجامعات الأردنية الحكومية والخاصة نحو 200 ألف طالبة، إضافة إلى نحو 15 ألف طالبة في كليات المجتمع. وبلغ إجمالي عدد الجامعات في الأردن 29 جامعة، من بينها 16 جامعة خاصة، وجامعتين تعملان وفق قوانين خاصة، وجامعة إقليمية واحدة، إضافة إلى 7 كليات جامعية و45 كلية مجتمع.
أما على صعيد سوق العمل، فيصعب حصر عدد الطالبات الجامعيات العاملات. لكن مسح دائرة الإحصاءات العامة الأردنية الأخير أظهر ارتفاعاً في معدل المشاركة الاقتصادية للإناث الأردنيات (أعمارهن 15 سنة فأكثر) ليصل إلى 15.1% في الربع الرابع من العام الماضي، مقارنةً بـ 14% خلال الربع الرابع من عام 2022. وبينت البيانات أن معظم العاملات الأردنيات يعملن بأجر، بنسبة بلغت 95.9%، في حين بلغت نسبة العاملات لحسابهن الخاص وصاحبات الأعمال 4% فقط. كما أظهرت انخفاضاً في معدل بطالة الإناث الأردنيات من 31.7% إلى 29.8% خلال الفترة ذاتها.

التجارب الفردية: قمر وهيفا تتحديان التقاليد وتقدمان نماذج مشرقة

تعد الطالبة قمر أبدر، البالغة من العمر 20 عاماً، مثالاً بارزاً على الشابات اللاتي اخترن كسر الحواجز الاجتماعية ودخول سوق العمل. بدأت قمر العمل في مطعم بيتزا لفترة، ثم انتقلت إلى العمل في مقهى بمنطقة جبل اللويبدة، أحد أقدم أحياء العاصمة عمان، حيث تعمل ثماني ساعات يومياً بجانب دراستها. تدرس قمر التسويق الرقمي في جامعة آل البيت بمدينة المفرق شرق المملكة، وتوضح أن تجربتها في العمل تهدف لتحمل المسؤولية وتطوير الذات، إلى جانب تأمين بعض النفقات الشخصية، وليس بدافع الحاجة المالية فقط.
تقول قمر: "أحب أن أعمل وأنفق على نفسي من جهدي وتعبى، ورغم أن جامعتي بعيدة، إلا أن نظام الدراسة عبر الإنترنت منحني مرونة لأوازن بين العمل والدراسة، حيث أذهب إلى الجامعة فقط في أوقات الامتحانات". وتضيف أنها تتلقى دخلاً معقولاً وتستفيد من تأمين صحي وضمان اجتماعي من جهة العمل، وهو ما يحقق لها الاستقرار المهني الذي تطمح إليه.

أما هيفا، الطالبة في السنة الرابعة بجامعة العلوم التطبيقية، فتدرس علم البيانات والذكاء الاصطناعي، وتعمل بنظام "الشفتات" لمدة 8 ساعات يومياً، سواء في الفترة الصباحية أو المسائية. رغم تحديات العمل والدراسة، فإن هيفا تجد في هذه التجربة دعماً لنفسها وأسرتها، حيث تقول: "أعمل منذ أن أكملت التوجيهي، واعتدت على طبيعة العمل الليلي، حتى وإن انتهى متأخراً".
تشير هيفا إلى أن هذا العمل ليس تجربتها الأولى، إذ سبق لها العمل في التسويق الإلكتروني، وتعتبر نفسها محظوظة بوجود تأمين صحي وضمان اجتماعي. تعمل هيفا في مقهى تابع لشركة مسؤولة عن إدارة سلسلة من المطاعم والمقاهي، وتوضح أنها تشعر بالرضا تجاه مستوى الدخل على الرغم من كونه متوسطاً.

أرباب العمل يشجعون توظيف الشابات الجامعيات

يؤكد نائب رئيس غرفة صناعة الأردن السابق وعضو غرفة صناعة عمان الحالي، موسى الساكت، على أهمية توظيف الفتيات الجامعيات، مشيراً إلى أنهن يتميزن بأفكار ابتكارية وقدرة على الإنتاجية والتحمل أفضل من نظرائهن الذكور. ويرى الساكت، وهو صاحب أعمال في مجالي الصناعة والإعلام، أن الفتيات في الأردن تجاوزن ثقافة العيب بدعم من الأهل ووعي المجتمع.
وأضاف الساكت أن عمل الفتيات، وخاصة الطالبات الجامعيات، يعود بفوائد اقتصادية واجتماعية عديدة، من أبرزها تخفيف معدلات البطالة وزيادة الناتج المحلي الإجمالي، مما يعزز من استقرار الاقتصاد والمجتمع ويسهم في التنمية المستدامة.
من جهة أخرى، يرى أنس عبد الله، شريك رئيسي في مؤسسة تعنى بالخزف والتحف، أن الفتيات العاملات يتمتعن بمستوى عالٍ من الالتزام والإنتاجية. ويقول: "نفضل تشغيل الفتيات الجامعيات لما يتميزن به من إنتاجية والتزام، كما أن أغلبهن يسعين لتطوير أنفسهن ويحرصن على التعلم". ويضيف أن مؤسسته توفر لهن رواتب مناسبة وتأميناً صحياً وامتيازات الضمان الاجتماعي.

وزارة العمل تدعم بيئة عمل مناسبة للمرأة

أكد الناطق الإعلامي باسم وزارة العمل، محمد الزيود، أن الوزارة تراقب سوق العمل لضمان حقوق العاملات وحمايتهن. ويشير إلى أن تعديلات قانون العمل في السنوات الأخيرة أسهمت في تعزيز حماية المرأة وخلق بيئة عمل آمنة وجاذبة، ما يدعم مشاركة المرأة الاقتصادية.
ويضيف الزيود أن الوزارة أطلقت البرنامج الوطني للتشغيل، الذي يهدف إلى دعم توظيف الشباب والشابات في مختلف القطاعات الاقتصادية عبر توفير دعم للأجور يصل إلى 130 دينار شهرياً لكل عامل، بالإضافة إلى دعم بدل المواصلات والمساهمة في الضمان الاجتماعي. كما تعمل الوزارة على تنفيذ توجيهات ملكية لإنشاء فروع إنتاجية في مختلف المحافظات، والتي بلغ عددها 31 فرعاً تشغل ما يقارب 9700 أردني، معظمهم من الإناث.

المشاركة الاقتصادية للفتيات: دعم للاقتصاد المحلي وتحول اجتماعي

يرى الخبير الاقتصادي الدكتور حسام عايش أن تزايد مشاركة الفتيات الجامعيات في سوق العمل يعكس تحولات اقتصادية واجتماعية هامة في الأردن، حيث باتت الفتيات يساهمن في مختلف القطاعات، مما يدعم استقلاليتهن ويخفف من عبء البطالة. ويوضح عايش أن عمل الفتيات يرفع مستوى الإنتاجية ويعزز من القدرة الاقتصادية للأسر، مما يسهم في تحقيق الاستقرار والتنمية المستدامة.
وأشار إلى أن مشاركة الفتيات الجامعيات رغم محدودية الدخل تساعدهن على بناء مستقبل أكثر استقراراً واستقلالاً، وهي بمثابة رسالة للمسؤولين وأرباب العمل بأهمية تنظيم وتحسين بيئة العمل بما يتناسب مع احتياجات المرأة.

نموذج يحتذى به للشابات الأردنيات

يعكس مسار قمر وهيفا وأمثالهما روح العزيمة والتحدي لدى الشابات الجامعيات الأردنيات. فرغم الصعوبات، يُظهرن قدرة عالية على التوفيق بين الدراسة والعمل، مما يؤكد على طموحهن وإصرارهن على بناء مستقبل واعد. إن استمرارية الفتيات الجامعيات في العمل والمساهمة في دعم الاقتصاد المحلي، ليس فقط يزيد من فرصهن في تحسين حياتهن، بل يؤكد على أن المرأة الأردنية قادرة على تجاوز التحديات الاقتصادية والاجتماعية والمشاركة الفاعلة في بناء مجتمعها.