اقتصاد الظل في خدمات التوصيل والنقل الرقمي: كيف تغير نمط العمل والتنقل في الأردن؟

{title}

جوترند- في السنوات الاخيرة، تسارع نمو قطاع التوصيل والنقل الرقمي في الأردن ليصبح واحدا من اكثر القطاعات تأثيرا في سوق العمل. ومع اعتماد مئات الآلاف من الأردنيين على تطبيقات مثل طلبات وكريم وواصف وتطبيقات التوصيل الصاعدة، تشكلت منظومة اقتصادية موازية تعمل خارج القنوات الرسمية. هذا القطاع الذي ينشط على مدار الساعة بات يمثل مصدر دخل رئيسي لجيل كامل من الشباب، لكنه في الوقت ذاته يجري بعيدا عن الرقابة والتنظيم، مما خلق تحديات اقتصادية واجتماعية تتطلب معالجة واضحة.

نمو قطاع غير رسمي داخل سوق رسمي

شهدت خدمات التوصيل والنقل عبر التطبيقات انتشارا واسعا خلال السنوات الماضية، مدفوعة بتوسع التجارة الالكترونية وزيادة الاعتماد على الطلبات الفورية. وتشير تقديرات غير رسمية الى ان آلاف السائقين والمتعاونين يعملون يوميا في هذا السوق، سواء عبر المركبات الخاصة او الدراجات، دون ان يكونوا مسجلين كعاملين رسميين او خاضعين لأي شكل من اشكال التنظيم.
وتتداول هذه المنظومة مبالغ مالية كبيرة بشكل يومي، الا ان الجزء الاكبر منها لا يدخل في حسابات الاقتصاد الرسمي، مما يعمق الفجوة بين الواقع الاقتصادي والبيانات الحكومية.

لماذا يتجه الشباب الى هذا النوع من العمل

تراجع فرص العمل التقليدية دفع الكثير من الشباب نحو منصات التوصيل التي توفر دخلا فوريا، حتى وان كان متذبذبا. فميزة الحصول على الدخل اليومي، وعدم وجود متطلبات معقدة، وحرية اختيار ساعات العمل، كلها عوامل جعلت القطاع اكثر جذبا.
وبسبب غياب البدائل وارتفاع كلفة المعيشة، بات هذا القطاع يشكل طوق نجاة للشباب الباحثين عن دخل سريع، رغم انعدام الحماية الاجتماعية.

اقتصاد مواز خارج المظلة الرسمية

يعمل جزء كبير من السائقين بشكل كامل ضمن هذا القطاع، لكنه عمل يجري في مساحة رمادية لا توفر حقوقا ولا حماية. يستخدم العاملون مركباتهم الخاصة دون ترخيص مناسب، ولا يتم تسجيل دخولهم في النظام الاقتصادي او نظام الضمان الاجتماعي.
وهذا الواقع سمح بولادة اقتصاد ظل جديد يعتمد كليا على التطبيقات الرقمية، لكنه لا يضيف قيمة مباشرة الى المالية العامة ولا يعكس مستويات التشغيل الفعلية في السوق.

تأثير مباشر على الاقتصاد الوطني

مع تنامي حجم هذا القطاع، يظهر التحدي الاكبر في فقدان الاقتصاد الأردني لمليارات محتملة من الضرائب والرسوم التي كان يمكن تحصيلها لو كان القطاع منظما. كما يساهم الاعتماد المتزايد على الشركات الاجنبية في خروج ايرادات كبيرة من السوق المحلية.
وفي الوقت ذاته، يقود انتشار هذا النشاط غير الرسمي الى خلق حالة من التشوه في سوق العمل، حيث يعتمد جيل كامل على فرص عمل آنية وغير مستقرة.

ازمات تواجه العاملين في القطاع

رغم اقبال الشباب على العمل عبر التطبيقات، الا انهم يواجهون تحديات يومية كبيرة. فارتفاع المنافسة خفض متوسط الدخل، في حين تفرض بعض الشركات نسبا مرتفعة على السائقين والمتعاونين. كما يعاني الكثير منهم من غياب التأمين والضمان الاجتماعي، اضافة الى الارتفاع المستمر في تكاليف الوقود والصيانة.
هذا الوضع يجعل دخل العامل قابلا للانهيار مع اي ظرف طارئ، دون وجود غطاء يحميه.

تشخيص الخلل في المنظومة

غياب التشريعات الواضحة يشكل السبب الرئيس في تفاقم الاشكالات المرتبطة بالقطاع. فحتى الآن لا يوجد تعريف واضح لعمل شريك التوصيل او السائق العامل عبر المنصات، كما لا توجد رخصة تتيح له العمل بشكل قانوني دون تعقيدات.
كما ان غياب اطار ينظم العلاقة بين الشركات والسائقين، وعدم وجود جهة رقابية محددة، اديا الى توسع الفوضى التشغيلية وغياب الحقوق.

حلول مقترحة لتنظيم القطاع

توجد عدة خيارات يمكن ان تسهم في دمج هذا القطاع ضمن الاقتصاد الرسمي دون التضييق على الشباب. من ابرزها إصدار رخصة خاصة تحت مسمى رخصة "عامل منصة" تتيح للسائقين العمل ضمن شروط واضحة. كما يمكن توسيع مظلة الضمان الاجتماعي الاختياري لتشمل العاملين على التطبيقات.
ويمكن ايضا فرض سقوف محددة للعمولات التي تتقاضاها الشركات، ووضع قواعد تنظم المركبات المستخدمة، بهدف تقليل الاستغلال ورفع معايير الامان والجودة.

نحو اقتصاد رقمي منظم ومستدام

قطاع التوصيل والنقل الرقمي بات واقعا لا يمكن تجاهله، وهو اليوم يشكل جزءا اساسيا من نمط الحياة والعمل في الأردن. لكن استمراره بالشكل الحالي يهدد ليس فقط حقوق العاملين، بل ايضا الاستقرار الاقتصادي.
ان دمج هذا القطاع ضمن الاقتصاد الرسمي سيحقق مكاسب مشتركة للدولة والشركات والعاملين، وسيحول اقتصاد المنصات من اقتصاد ظل إلى قطاع حيوي يدعم النمو ويوفر فرص عمل مستدامة.