الأردن تحولات ومآلات

{title}


مع معدل قانون الجرائم الالكترونية ومعدل قانون السير، تبدو ملامح ومسارات الأردن القادم قد أخذت في رسم أبعادها التي تضع شعاراً يتمثل في « العودة للأخلاق» عودة لممارسات إنسانية فضلى باتت شحيحة في ظل هيمنة الأنانية والتفرّد في المصلحة والإعلاء من المكسب الشخصي على حساب أية مكاسب أو مصالح عامة، وانتشار التفاهة الإلكترونية والتي داهمت الحياة الواقعية فأصبحنا نعيش في بيئةٍ غير صديقة للإنسان بقيمته النقيّة، وأصبحت الفهلوة والشطارة سمة المرحلة، خاصةً وأن البدائل تشحّ والمطلوب أكبر بكثير من المعروض، واعتاد الفرد منا على مشاهدة ومعايشة انتهاك حقوقه واستباحة حرماته وخصوصياته بذريعة متطلبات العالم السيبراني والرقمنة التي هدمت أركان ومفاهيم السيادة والحدود والجغرافيا والخصوصيات الثقافية للمجتمعات، زاعمةً أنها الخيار المثالي القادم عبر صياغة « المواطن أو الإنسان العالمي العولمي» إنسان متشابه في ممارساته واهتماماته وأساليب حياته بغضّ النظر عن منبته أو معتقده أو لونه أو جنسه، إنسان انتماؤه الوحيد اللا انتماء لأي شيء، هو الباحث طيلة الوقت عن سعادة متخيّلة بأقل جهد وكلفة ووقت، إنسان يتسّم بالتقلبات المزاجية والانفعالية والعقلية، فلا مبدأ يسود ولا قيم تثبت. كل شيءٍ قابل للتغيير والتبديل والتحوّل من حالةٍ إلى أخرى دون ادنى منطق او مسوّغ لهذا.

كلنا نجمع على أن كثيراً من السلوكات المشاهدة طوال الوقت يشوبها عوز أخلاقي كبير، فاستخدامنا للطريق ولآداب المرور والعبور والتوقف وتغيير المسرب واحترام الأولويات المرورية، واستخدام الزامور وقت الحاجة، عدم التشحيط وخروج الأصوات النشاز من المركبات، هي تعابير عفا عليها زمن الأنانية والتفاهة، لقد أصبح المستهجن هو ممارسة شيء من الأخلاق والالتزام بالقانون، فيما السائد هو عدم احترام القانون والتقيّد بأنظمته.

كذلك الأمر في التعامل السيبراني، الذي انتهز كثير من التافهين فرصة البروز والشهرة الفارغة وتحصيل مكاسب مادية بأن يقوموا بممارسات معيبة وغير أخلاقية وشاذّة ومنحرفة عن كل قيم الإنسانية، في سبيل حصد شهرة تافهة ومكاسب مالية سهلة، لقد أصبحت سمة العصر البحث عن المكسب السهل بصرف النظر عن الطريقة والأسلوب.

ناهيك عن انتهاك البيئة بكل موبقات البشر، فالمتراكم من نفاياتهم على جوانب وحواف الحاويات يفقأ العيون، والاستخدام الجائر للمرافق العامة وحتى الخاصة هي خصيصة محلية بامتياز، ورمي المخلفات أو الإبقاء عليها في المناطق الحرجية والسياحية، هل هناك مرافق عامة يستطيع الإنسان استخدامها بيسر وراحةٍ ودون أذى من مشهد أو تلف أو تكسير.

لا يوجد إلا عندنا ثقافة إلقاء ما يتبقى من قهوة في الأكواب على السيارات الواقفة لتأخذ شكلاً سريالياً مفجعاً من التلوث البصري. نحن منتهكون ومتلوثون سمعياً وبصرياً وعقلياً ومسلكياً.

نعم كل هذا وأكثر مما يتسع له صدر المقالة هذه، لكن ونحن نسعى بجديةٍ نحو حياةٍ سياسية وديمقراطيةٍ حقيقية، فهذا يتطلب مزيداً من جرعات الديمقراطية، لأن لا إصلاح للديمقراطية إلا بزيادة جرعاتها.