الأردن: اقتصاد يزداد سوءاً.. وإصلاح سياسي متنازعٌ عليه!
عَرّفَ قاموس وبستر (Websters Dictionary) للمصطلحات السياسية الإصلاح السياسي أنه عملية تعديل في شكل الحكم داخل الدولة وفي إطارها السياسي القائم للانتقال من ثقافة الخضوع إلى ثقافة المشاركة.
الجميع يدرك ان نموذج تحديث المنظومة السياسية والاقتصادية في الأردن إلى حد ما مختلفٌ عن نماذج الإصلاح في كثير من دول العالم ، وهذا يرجع بشكل رئيسي إلى الوضع الاقتصادي المتردي والمعتمد بشكل أساسي على المنح والمساعدات والقروض، والى ثقافة الخضوع للسلطة، وهي سياسة تُجيد مهنة التلقين من خلف الستار، أو من تحت الطاولة ! والمضحك أن الشخص المُلقَّن غير مسموح له أن يسأل أو ينتقد!
لم يعُد بالإمكان تجاهل الوضع الاقتصادي المهترئ من حيث خطورته وتداعياته! فأي شخص يعمل في مجال الاقتصاد والمال والتنمية والتخطيط لا يستطيع تجنب عبارة (القدرة على الصمود)! وعندما تستمع الى أي مسؤول في الدولة معني بشأن ادارة الاقتصاد وتطويره وتقارنها مع آراء المتخصصين في الاقتصاد والتنمية ستتأكد أن طبيعة النظام الاقتصادي الاردني هو كائن مسخ لا يمكن تحديد هويته ولا ملامحه العامة! لأنه اقتصاد ريعي يعتمد على المساعدات والقروض.
ومهما قيل وقال، وما يجب ان يقال ! فالنهج الليبرالي الاقتصادي الذي قاده مجموعة من المراهقين وزعاطيط السياسة نتج عنه جرعة كبيرة من الزبائنية والفساد أدت إلى الانفلات المطلق بإفساد المجتمع وإضعاف الدولة ومؤسساتها، والى إضعاف الأداء الاقتصادي والتقليل من خياراتنا السياسية، ومن قدرتنا على المناورة الدبلوماسية! أو حتى المواجهة إن اقتضت المواجهة، وهذا للأسف جعل سياساتنا رهينة لسياسات الآخرين وللتحولات الخارجية في محيطنا الإقليمي والدولي.
من الواضح جداً أننا نعاني من تضخم سياسي وعجز تنموي وتخبط اقتصادي! وقضية الإصلاح السياسي والاقتصادي تحتاج الى فضاءات سياسية حقيقة وضبط المصطلح، فنقل الاقتصاد من وضع سيء ومنهار الى وضع أفضل يحتاج الى تخطيط وجهد وسياسات ومناخات سياسية مستقرة، فالجانب السياسي مرتبط أرتباطاً مُحكماً بالجانب الاقتصادي، لأن السياسة ليست إلا منهجاً لإدارة الخيارات الاقتصادية، فالفقر السياسي أدى الى قصور النظر في عديد من قضايانا الداخلية والخارجية ، وتسبب في أزمة توزيع السلطة السياسية، فإصلاح المنظومة الاقتصادية يتطلب إصلاح النظام السياسي أولاً.
ولإنقاذ الاقتصاد الأردني وحمايته أصبح لزاماً فك الارتباط السياسي مع مجموعات وشركات وبنوك ومؤسسات مالية تتمتع بنفوذ سياسي داخل الاردن.
إن ما يميزُ أزماتنا في الأردن عن غيرها هو عنصر المفاجأة وضغط الزمن ! فالعربة أمام الحصان تلخص لنا المشهد الإصلاحي الحالي، والنزول من على الشجرة يستدعي سماع أصوات الناس الذين هم أصحاب الكلمة الأخيرة في ما يحدث على الأرض لتجنبهم الانزلاق الحاد نحو مزيد من الفقر والبطالة والجوع وسوء التغذية ، فلم تعد المدارة تنفع ! وبلا مراجعة جدية لا جدوى من التجربة !
نعم: لا بد من توجيه بوصلتنا نحو الشارع، لمراجعة مفاهيم سادت وكانت مجرد شعارات ليس لها من صدق منطقي، فالاردن مُثخن بأزماته ولا يحتاج الى مزيد من مسببات التلبك داخلياً، وعملية الإصلاح لن تتحمل انتكاسة يكون أحد أسبابها قوى خفية تخاف على مصالحها ومصالح زبائنها، فالاستقرار عكس الفوضى، وهو مطلب اساسي لكل الشعوب، ولا أتصور ان أحد يختلف معي ان الاردن بحجمه وموقعه وافتقاره للمصادر الطبيعية وندرة شواطئه بحاجة الى تفكير جديد من نوع اخر.
للإصلاح أنصار وأعداء، وهناك دائما اتجاهان متضادان وقوتان تتصارعان بشأن الإصلاح: واحدة هي الأكبر وهم الناس الذين دوماً يطالبون بالاصلاح والعدالة لكنهم لا يملكون إلا قوة الارادة، والقوة الاخرى هي الاقلية وغالبيتهم من أبناء التوريث السياسي ومن اصحاب المصالح الذين يقفون في وجه الاصلاح لأنه يهدد امتيازاتهم ومكاسبهم، والذين بيدهم كل الاوراق والنفوذ.
لنكن أكثر دقة ووضوح، البيئة السياسية الحالية طاردة للإصلاح بسبب الثقافة السياسية الخاملة لدى الكثير من الأردنيين والمسافة الطويلة بين الواقع والتمنّيات، فالشارع على قناعة ان أزماتنا الاقتصادية ليس لها حلول ، والقادم أصعب، والحاضر سيء، والمستقبل بيد الله، فالفقر والبطالة لطالما كانا عائقاً أمام خطط ولجان الإصلاح السياسي في معظم دول العالم.
وهذا التشاؤم ليس جديداً لأن هناك مقياس كمي للإصلاح ، فوحدة قياس درجة الإصلاح السياسي هي الحريات وحقوق الإنسان، ولا إصلاح بغير فريق إصلاحي بحجم الموضوع يتفق عليه الجميع! وسياسة حرق المراحل لن تقود الى إصلاح أو تغيير، وأي بحث أو نقاش حول مسألة الإصلاح والنهضة يعني البحث في ثنائية الفكر السياسي الإصلاحي.
لا أعلم لماذا نضيع الوقت؟ الأردن معني بقوته الداخلية من خلال استقراره السياسي، وفرص الإصلاح السياسي باتت مرهونة على مفهوم التنمية الإنسانية قبل الدعوة الى الانخراط بالعمل الحزبي السياسي، أي النظر الى قضايا الفقر والبطالة والتعليم والصحة والنقل بنظرة صحيحة.
لابد من صياغة نموذج اقتصادي جديد يضمن توزيعاً عادلاً ومنصفاً للموارد والا سيصبح الاردن على حافة الهاوية، فجلُّ استرتيحياتنا التنموية أمتصها الفساد عن بكرة أبيها، نتج عنها اختلالات في توزيع الثروة بعدالة!
فحين يحل الشك وعدم اليقين فإن منطق الإصلاح لا يفيد في الترقيع وسيجلب الكثير من علامات الاستفهام الجديدة.