انفلات الفضاء الإلكتروني يهدد الاقتصاد الوطني والأفراد
جوترند-غادة حماد- طالب خبراء بمجال تكنولوجيا المعلومات وعلم الجريمة، بالعمل على تغليظ العقوبات وتحقيق الردع لكل من يرتكب جريمة إلكترونية، مؤكدين أن انفلات الفضاء الإلكتروني يهدد الاقتصاد الوطني والأفراد والأعمال.
وأكدوا أن التطور التكنولوجي المتلاحق والذي أصبح واقعا حتميا في كل تفاصيل حياة الناس، بدأ يلقي بظلال سلبية على منظومة القيم والأخلاق، ما يتطلب إقرار تشريعات وضوابط تحمي المجتمع والأفراد والاقتصاد الوطني.
وأشاروا خلال حديثهم ل(بترا)، إلى أن الجريمة الإلكترونية مهما كان شكلها لا تختلف في أركانها عن الجرائم الأخرى التي تقع على أرض الواقع، وإنما تختلف في الوسيلة المستخدمة.
وأضافوا أن حماية البيانات الشخصية ذات أهمية قصوى، لمنع استغلالها وخرقها، مع إعطاء الأولوية لمراجعة قوانين حماية البيانات الشخصية وتحديثها مع اتخاذ التدابير اللازمة لضمان الأمن الرقمي للمواطنين.
وقالت المتخصصة في علم الاجتماع وعلم الجريمة في الجامعة الأردنية الدكتورة مجد القبالين، "مع دخولنا عالم التكنولوجيا وتحولها إلى جزء رئيسي ومهم في حياتنا اليومية، بات جليا الأثر الكبير للتكنولوجيا على حياتنا بجميع تفاصيلها".
وأضافت "هنا لا بد من التأكيد على حتمية تأثير التكنولوجيا وحتمية تأثر المنظومة القيمية والأخلاقية بالتكنولوجيا والتي للأسف أخذت المنحى السلبي".
وتابعت "نلاحظ ذلك من خلال العديد من الظواهر الاجتماعية التي باتت تطفو على السطح، والتي كان ولا يزال سبب ظهورها العالم الافتراضي كالتحرش، والتنمر، والنصب والاحتيال، وغيرها من الظواهر الاجتماعية التي أصبحت جريمة بنص مادة قانونية".
ورأت أن تلك الظواهر الاجتماعية يمكن تصنيفها على أنها (جرائم إلكترونية مستحدثة) وجرائم عابرة للحدود والجغرافيا، كونها تتنافى مع العرف المجتمعي السائد وتقف في حالة من الصراع مع قوانين الدولة المدنية وسيادتها.
وتابعت القبالين، تقع مسؤولية تطبيق وإنفاذ سيادة القانون بمساواة وعدالة ونزاهة على عاتق الدولة، وبنفس الوقت يتحمل كل مواطن مسؤولية ممارسة وترسيخ سيادة القانون في حياته اليومية، مشددة على ضرورة إعادة النظر بأجهزة العدالة الجنائية، وتفعيل وترسيخ دور القانون وفرض سيادته واحترامه.
وأشارت إلى ضرورة إعادة النظر في بعض العقوبات التي يفترض أن تحقق الردع للعديد من الجرائم الإلكترونية التي باتت تظهر بل وارتفعت أعدادها في الآونة الأخيرة بشكل ملحوظ، ما يتطلب العمل على تغليظ العقوبات وتحقيق الردع لكل من تسول له نفسه بارتكاب جريمة إلكترونية.
ولفتت إلى أنه لا يمكن أن نغفل دور الأسرة والتربية في غرس الأخلاق والقيم الإنسانية، بحيث نحقق الانسجام بين المنظومة القيمية والأخلاقية من جهة والدولة المدنية والعرف المجتمعي من جهة أخرى.
وقالت القبالين "نحن بحاجة لتطوير وتحديث العديد من التشريعات الخاصة بالعقوبات التي لا بد وأن تحقق مبدأ الردع من أجل الوصول إلى الهدف الذي من أجله تم وضع النصوص والتشريعات والعقوبات، وذلك بتوفر شرطين أساسيين أولهما أن تكون العقوبة فورية وآنية وهنا يتطلب منا علاج مشكلة البطء في إجراءات التقاضي، وثانيا أن تكون العقوبة مناسبة لحجم السلوك الجرمي لكي تحقق الردع المطلوب".
وأوضحت ضرورة عدم التساهل في تطبيق الأنظمة والقوانين والتشريعات، فهناك جرائم لا بد من تغليظ العقوبات المترتبة على ارتكابها من أجل تحقيق الردع والحد منها، فلا بد وأن لا يترك القانون في حالة (قانون مع وقف التنفيذ) وبالأخص العقوبات.
وأكدت أنه لا يمكن السير نحو النهضة وتحريك عجلة التنمية دون أن تتكاتف جميع جهود المجتمع وأن تعمل معا كفريق، بهدف حماية المجتمع والاقتصاد الوطني من الجرائم الإلكترونية بمختلف أشكالها وصورها التي باتت تشكل تهديدا حقيقيا للمنظومة القيمية والأخلاقية بشكل واضح.
وأشارت إلى أنه كلما تحقق الانسجام بين استخدامات التكنولوجيا والقوانين والتشريعات أسهم ذلك في تعزيز الأمن المجتمعي والحد من مهددات استقرار المجتمع، وذلك من شأنه أن يعمل على تقنين الاستخدامات السلبية للتكنولوجيا.
من جهته قال المدير التنفيذي في الجمعية الأردنية للمصدر المفتوح، عيسى محاسنة، إن الجريمة الإلكترونية مهما كان شكلها لا تختلف في أركانها عن الجرائم الأخرى التي تقع على أرض الواقع، وإنما تختلف في الوسيلة المستخدمة.
وأضاف "مع انتشار بعض الاستخدامات الإجرامية للتكنولوجيا، يجب أن نسعى نحو حلول للتخفيف من الجريمة وزيادة الوعي الرقمي لدى مستخدمي الإنترنت، وإزالة المعوقات أمام مكافحة هذه الجرائم".
وأشار إلى أهمية زيادة عدد القضاة المختصين بالجرائم الإلكترونية والخبراء المعتمدين لدى القضاء النظامي وتعاون الأنظمة القضائية وأجهزة إنفاذ القانون بين الدول في مجال مكافحة الجريمة الإلكترونية، خاصة أن كثيرا من هذه الجرائم تكون عابرة للحدود.
بدوره، قال خبير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وصفي الصفدي، إن حماية البيانات الشخصية تعد ذات أهمية قصوى لمنع استغلالها وخروقاتها، ويجب على الدول إعطاء الأولوية لمراجعة قوانين حماية البيانات الشخصية وتحديثها مع اتخاذ تدابير لضمان الأمن الرقمي لمواطنيها، حيث نفذت الدول الأوروبية بالفعل القوانين وفرضت الغرامات، لتعزيز حقوق الأفراد وحماية البيانات الشخصية.
وأضاف يجب أن يتم تكثيف الجهود على جميع المستويات التنظيمية والتشريعية والرقابية، لتعزيز الأمن السيبراني، استجابة لتطور وانتشار استخدام الإنترنت والتطبيقات الذكية والحياة الرقمية، حيث قامت العديد من الدول بإنشاء وحدات مخصصة لمكافحة الجرائم الإلكترونية، كما عكفت على بذل جهود متواصلة ومستمرة لتحديث التشريعات والقوانين والأنظمة، لضمان الاستخدام الآمن للإنترنت وحماية الأنظمة من الانتهاكات والاختراقات.
وتابع الصفدي، أن ذلك يتطلب نظام أمن سيبراني شامل متكامل والعمل على إجراء تحديثات مستمرة وإدماج التقنيات المتقدمة مثل الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات الضخمة لاكتشاف التهديدات السيبرانية ومكافحتها في مرحلة مبكرة.
وأكد الصفدي، أنه يتحتم على الجهات الحكومية والمؤسسات والشركات والأفراد التعاون في حماية المعلومات والبيانات الشخصية للمواطنين، ويجب على الدول تكثيف الجهود المحلية لتطوير القوانين والتشريعات والأنظمة واللوائح الخاصة بالمجال الرقمي.
من جانبه، قال مدير مركز التعلم الإلكتروني ومصادر التعليم المفتوحة في جامعة اليرموك الدكتور أحمد كليب، إننا في عصر من السهل استخدام التكنولوجيا في أفعال تنافي القوانين والأخلاق والتعدي على الآخرين، والتي ممكن تصنيفها في التعدي على الخصوصية من خلال نشر معلومات الآخرين وصورهم وأرقامهم وغيرها، أو التعدي على الملكية مثل الكتابات أو المقالات أو المحتويات الرقمية وغيرها.
كما أشار إلى تزوير المعلومات، من خلال استخدام التكنولوجيا في أساليب الغش والتحريف والتعديل في المحتويات مثل الشهادات والأوراق الثبوتية وغيرها، بالإضافة إلى استخدامها في نشر معلومات خاطئة أو التشهير، وكل هذه الأفعال تنافي الأخلاق والقوانين.
ورأى الدكتور كليب، أنه مع ازدياد استخدام التكنولوجيا في أفعال غير أخلاقية وغير قانونية في الآونة الأخيرة، وجب زيادة القوانين والتشريعات والعقوبات على مثل هذه الجرائم، كما زادت الحاجة إلى تطوير تشريعات وقوانين تحمي المجتمع والاقتصاد الوطني والخصوصية والمعلومات.
وقال الخبير التقني يزن صوالحة، إنه مع وجود تطور تكنولوجي كبير وسريع، أصبح هناك خطرا كبيرا على الفضاء الإلكتروني، قد يهدد الاقتصاد الوطني وحياة الكثير من الأفراد أو الشركات أو الأعمال أيضا.
وبين أن هناك تحديات كثيرة أهمها، ظهور أعمال تتنافى مع القوانين والعرف مثل الهجمات السيبرانية، والاختراقات والسرقات التي تعتبر تحديا كبيرا للدولة، وأصبح من الواجب عليها الآن حماية أمن وبيانات شعبها.
وأضاف "قد يشكل التهديد الإلكتروني الحديث حربا مباشرة إلكترونيا، تؤدي إلى انهيار الاقتصاد للدولة بسبب أعمال النهب والتخريب المباشرة، حيث أصبحت الدول تدرك أن الخطر في الوقت الحاضر قد يأتي من الفضاء الإلكتروني، وعليها أن تعمل على حماية مصالحها".
وبين صوالحه، أن "الهجوم السيبراني" يعد عملا إرهابيا أو يكافئ هجوما مسلحا إذا كان واسع النطاق، لذلك فإن الدول ملزمة بإقرار قانون واجب التطبيق على الحرب الإلكترونية وسن قوانين وعقوبات جديدة تواكب التهديدات الالكترونية الحديثة للحفاظ على أمنها.