شيطنة "الإصلاح" في الأردن: من المستفيد؟

{title}

أي كلام وفي أي وقت يقارن بين الاحتياجات على أساس الصيغة التي تفترض بأن الأمن والاستقرار في الحالة الأردنية هما الأولوية المطلقة قبل الديمقراطية صيغة عنصرية وبغيضة ومنافقة، ولا ترقى إلى مستوى الإدراك العميق للحاجة الملحة للإصلاح الجذري، حصرا من أجل الحفاظ اليوم على الأمن والاستقرار بعدما اختلت غالبية الموازين.

بعد سلسلة مشكلات وتعقيدات وتحديات يعيشها هذا البلد لكي يبقى مطمئنا آمنا عليه أن يتجه بوضوح نحو إصلاح جذري وعميق دون الحاجة لإعادة إنتاج مشروخة «كلفة الإصلاح أعلى من كلفة عكسه» لأنها تشبه شقيقتها المشروخة الجديدة القائلة بأن «الاستقرار قبل الديمقراطية».
نسمع كذبة أو فرية عنوانها أن الديمقراطية الحقيقية والأصولية والجذرية ليست هي المعيار المناسب لحالة المجتمع الأردني.

وتستند تلك الفكرة على قناعة يبدو أن التيار المحافظ جدا والانتهازي للغاية الذي له مصلحة مباشرة في بقاء الأمور بالحد الأدنى، عندما يتعلق الأمر بالتحول الديمقراطي هو الذي يروج لها تناغما مع أوساط أوروبية وغربية وأمريكية، تتبنى تلك التراتبية في الأولويات، وعلى أساس قناعة لا يوجد ما يسندها إطلاقا بأن احتياج الأردن والأردنيين الأساسي هو الأمن والاستقرار وليس الإصلاح الجذري أو التحول الديمقراطي مع أن الأولى بالأساس تقود للثانية لو حسنت النوايا.

تحيرني تلك العبارة وتلك الصيغة وقد أثارت استغرابي عندما سمعتها من مسؤول ألماني مطلع باسم الاتحاد الأوروبي في ورشة عمل مغلقة مؤخرا.

وأثارت العبارة فضولي عندما قال صاحبنا الألماني بأن أولوية أوروبا الغربية في المشهد الداخلي الأردني هي الاستقرار وليس الديمقراطية دون أن يشرح كيفية تراجع الاستقرار إذا تقدمت الديمقراطية.
هذا كلام غربي عنصري مقيت بالحد الأدنى له ومعناه المباشر، كما يمكن أن يفهمه أي شخص، وهو أن الديمقراطية تليق بالشخصية الغربية والأوروبية والمواطن الأوروبي، لكنها لا تليق بالمواطن الأردني الذي لا يستطيع التعامل مع تداعيات واستحقاقات الديمقراطية.

ويمكنها ـ أي الديمقراطية ـ إذا ما تعامل معها أن تربك أوضاع الاستقرار العام وهي كذبة أكبر بكثير مما نعتقد، يروجها مستفيدون من الأمر الواقع، وعندما حاولت فهمها طرح على أحدهم السؤال التالي: برأيك من هي الجهة المستفيدة من مثل هذا المنطق؟

طبعا يمكن تعداد عدة جهات لكن الجهات المحلية والوطنية المستفيدة مرسومة ومفهومة ولها علاقة بكل مقولات الحقوق المكتسبة والشخصيات الانتهازية التي لن تركب أكتاف الشعب الأردني في حال وجود ديمقراطية حقيقية وتحول إصلاحي وانتخابات نزيهة.. هذا مفهوم في المعادلة المحلية لكن غير المفهوم في المعادلة الغربية والأمريكية هو الأسباب التي تدفع باتجاه مثل هذه الصيغة.
انطباعي حتى الآن أن جهة بالتأكيد هي المستفيدة من بقاء الأردن ضعيفا بالمعنى الديمقراطي أو على الأقل زاحفا في ظل أزمة اقتصادية ومعيشية حادة طوال الوقت أو تبقيه على الحافة الاقتصادية نحو التحول الديمقراطي.

من هو المستفيد من بقاء الأردن أيضا على الحافة الديمقراطية؟

أضم صوتي لمقولة سياسي مخضرم مثل الدكتور ممدوح العبادي الذي يرى بأن الديمقراطية قوة حقيقية وخير من يعرف بأن الديمقراطية قوة أساسية للمجتمع وللدولة معا هم الأوروبيون تحديدا.
بالتالي أفهم من هذا المنطق أن قوة الديمقراطية يريد الغربيون وأنصار السفارات حرمان الأردن منها بحجة تأثيرها السلبي على الأمن والاستقرار.

وأحسب هنا بأن الدلالة واضحة الملامح ولا تتعلق بالتنبؤ فأولويات أوروبا التي تكذب علينا من عقود هي حماية إسرائيل بشكل أساسي لا بل تزويق قبحها وبشاعتها وإبقاؤها خنجرا في خاصرة شعوب المنطقة.

وهذه الأولوية عند السفارات الأوروبية وحتى عند المنظمات التي تدعي البكاء والسهر على حقوق الإنسان في الأردن وغيره هي التي تحكم مقولة الأمن والاستقرار مقابل التحول الديمقراطي، لأن الأردن القوي ديمقراطيا يلحق ضررا بمصالح الإسرائيليين، ولأن إسرائيل عبر وكلائها المنتشرين اليوم في المجتمع المدني الأوروبي تدير فلسفة وبرنامج بقاء الأردن على الحافة.

أفضل مواطن بالنسبة لدولة الكيان الاحتلال الاستعماري يقيم في دولة بمجتمع ضعيف ومهزوم ومنكسر ديمقراطيا، يتربى فيها الفساد وغياب الشفافية ويتغذى فيها الموقف السياسي على إدارة القطعة ولتقسيط.

مؤسف جدا أن بعض الأردنيين لا ينتبهون لتلك الخديعة الكبرى والمؤسف أكثر أن مؤسسات قصيرة النظر تلتقط تلك المعلبات بحماس وتحيلها إلى «هندسة الإصلاح» بدلا من إنجازه. أزعم بأن التحول الديمقراطي والإصلاح الحقيقي غير المتدرج هو المطلوب لإنقاذ الأردن شعبيا واجتماعيا واقتصاديا، وأيضا لإدارة الاستثمار والتوظيف الأفضل للورقة الجيوسياسية.

كل تلك انطباعات تم تسجيلها بعدما لاحظت مع غيري كيف يهلل الاتحاد الأوروبي ومعه الوكالات التابعة للسفارة الأمريكية بطريقة غير مسبوقة لبرنامج تحديث المنظومة السياسية الجديد والعمل الحزبي.

وهو برنامج نعتبره رؤية إيجابية وتتطلع للمستقبل ونصفق له، لكن كنا نأمل بأن يعفينا «الخواجات» من الارتياب الذي زرعوه فينا، وهم يرحبون بكل التفاصيل مع نكهات تشيطن عملية التحول الإصلاحي الشاملة.