الأردن يصعّد في وجه إسرائيل ويبدأ بالانسحاب من بعض التطبيع الاقتصادي
جوترند- يظهر القرار الذي أعلنه وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي في وقت متأخر مساء الخميس تحت عنوان عدم التوقيع على اتفاقية تبادل المياه والكهرباء مع إسرائيل والمقرر توقيعها بعد نحو تسعة أيام بأن الاستراتيجية الأردنية في الانسحاب من ما تيسر في البعد الاقتصادي على الأقل في العلاقات مع إسرائيل هي التي تقررت كخطوة أولى أردنيا.
عمليا وأردنيا في هذه المرحلة من العدوان العسكري على قطاع غزة، قد تكون الخطوة الأولى في سياق ما يسمى الآن في عمان عموما بالمراجعة الشاملة لكل الاتفاقيات قد اتخذت.
تلك مراجعة لكل ملف الشراكة والعلاقة مع الإسرائيليين اقتصاديا على الأقل، خصوصا أن الدافع والحافز الأساسي أمام المقاربة الأردنية الجديدة التي تتخذ شكل المراجعة هو حصريا ارتفاع حاد في منسوب مخاوف الترانسفير والتهجير بالنسبة للقرار الأردني كما يرجح السياسي الإسلامي الدكتور رامي العياصرة وهو يستعرض المستجدات في الخطاب الأردني مع «القدس العربي».
المشهد يوحي ضمنا بأن سلطات القرار الأردنية ليست لديها أدلة ولا قرائن ممسوكة وضامنة لعدم توفير غطاء أمريكي جديد لمحاولات التهجير ونزوح السكان التي يمكن أن تنتقل بكل بساطة للضفة الغربية. وانتقال هذه المحاولات الضاغطة على الفلسطينيين في الضفة الغربية تعني بروز مخاوف التهجير في اتجاه الأردن.
ولدى الأردن في كل حال قناعة بأن المناورات العسكرية الحربية التي أعلنها الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية والاضطراب الشديد في مدن مثل أريحا وجنين وطولكرم ونابلس.
وكثرة الاختراقات العسكرية الإسرائيلية لهذه المدن ومخيماتها يعكس سعياً من الطبقة السياسية الحاكمة في تل أبيب في اتجاه التهجير وخلق وقائع تحسم الصراع بدلاً من إدارته في الضفة الغربية، الأمر الذي يجمع المراقبون كلهم في عمان على أنه الدليل الأبرز نحو تصفية القضية الفلسطينية على حساب الأردن.
مستوى الكلمات والعبارات التي يستخدمها الوزير المختص بالدبلوماسية الصفدي، يدل على عمق شعور الأردن بالأزمة الحالية خصوصا مع الإصرار على وصف إسرائيل أنها تمارس عدوانا همجيا وبأنها تنفذ خطط التهجير ونزوح السكان حتى وهي تعلن مع الأمريكيين خلاف ذلك.
هل تعد سلطة التشريع قانون «إلغاء وادي عربة»؟
في كل حال، الحديث عن الاتفاقية التي عرفت باسم الاتفاقية الإماراتية واتخاذ قرار سياسي من أرفع المستويات المرجعية بالقرار بعدم توقيعها بعد عدة أيام، واستخدام الصفدي لصيغة «لن نوقعها» هو بمثابة الإشارة المباشرة لاتجاه الأردن الذي وصفه رئيس الوزراء بشر الخصاونة سابقا بأنه سيكون متدرجا في الرد على سلسلة العدوان الإسرائيلي وتداعياته الإقليمية والوطنية والأهلية والأمنية.
التدرج لم يعد فكرة ألمح لها رئيس الوزراء تحت قبة البرلمان، لكنها أصبحت تتخذ شكل القرار الآن.
والجزء اليسير الذي لا يؤدي التخلص منه إلى خسائر كبيرة هو حصرا بعض الاتفاقيات الاقتصادية، ولأن اتفاقية تبادل خدمات الكهرباء والمياه كان التراجع عن توقيعها أصلا مطلبا جماهيري، ولأنها اتفاقية هشة وليست مقنعة حتى للخبراء الأردنيين أنفسهم كانت البداية فيها. يفترض ألا يقتصر الأمر على إجراء من هذا النوع، فقد سبق لخبير سياسي واقتصادي بارز الدكتور محمد الحلاقة، أن اقترح علنا على الحكومة إعادة إنتاج موقفها من الشراكة الاقتصادية التطبيعية مع الإسرائيليين في ظل تطورات موقفهم العدواني الذي يحرج المملكة لا بل يؤذي مصالحها ويمسها.
الحلايقة كان قد اعتبر في نقاش مع «القدس العربي» بأن اتفاقية الماء والكهرباء والانسحاب منها أصبح واجبا طبيعيا، لكن الأمر ينبغي ألا يقتصر على ذلك، فالكثير من البروتوكلات والاتفاقيات التي لا يلتزم بها الإسرائيلي أصلا يمكن توجيه الرسائل عبرها ما بقي العدوان متصلا.
الأردن في الأساس وبعد 7 أكتوبر يجد نفسه مضطرا لحالة احتكاك ومواجهة مباشرة لا بل صدام واشتباك على أكثر الصعد الدبلوماسية، ولم يعد الأمر يقتصر عند الخط الدبلوماسي فقط، بل يتجه نحو الخط السياسي ويتعامل مع الانسحاب التدريجي من حالة الشراكة الاقتصادية الاستثمارية مع الإسرائيليين.
وهو موقف عبرت جمعية الشفافية الأردنية في بيان هام لها، صدر مساء الخميس، عن دلالاته عندما اقترحت الانتقال إلى الخطوة الأكثر أهمية في مجال الاشتباك، وهي تطبيق النص الدستوري الذي يقضي بتوافق السلطتين في التنفيذ والتشريع على إصدار قانون جديد يسمى بقانون إلغاء اتفاقية وادي عربة.
رئيس تلك الجمعية البرلماني والوزير السابق المعروف الدكتور ممدوح العبادي، شرح لـ«القدس العربي» أن هذه الخطوة أصبحت واجبة الاستحقاق، وينبغي فيها أن يقول الشعب الأردني مع مؤسساته للإسرائيليين كلمته الحاسمة، مشيراً إلى أن التوافق ممكن بين السلطتين التنفيذية والتشريعية للتخلص من تلك الاتفاقية عبر قانون وتشريع يلغيها أو يجمدها بالتعاون بين السلطتين وفي الدورة الحالية.
قد لا يصل الأردن سريعًا إلى هذه الخطوة في إطار قواعد الاشتباك المتدرج ضد الجانب الإسرائيلي لأن عيون عمان الأمنية والاستراتيجية والسيادية قلقة جداً وتراقب ما يجري في الضفة الغربية، خصوصًا على صعيد اختراقات المدن واعتداءات المستوطنين التي تؤدي إلى تقويض السلطة الوطنية الفلسطينية وتخالف بطبيعة الحال الضمانات والغطاءات الأمريكية التي منحت على هامش ما سمي بقمتي شرم الشيخ والعقبة قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر.
وصف وزير الخارجية الصفدي لاتفاقية وادي عربة بأنها اتفاقية يعلوها غبار وضعت على الرف في أحد المستودعات هو الخطوة الأولى في اتجاه إعلان سياسي دبلوماسي أردني حاد هذه المرة، يقول إن الاسترسال في العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وفي دفع الضفة الغربية نحو حافة الهاوية يعني عدم وجود مبرر لاتفاقية وادي عربة، ومن ثم الانتقال إلى مستوى التعاطي والتعامل مع ما تسميه عمان بإعلان الحرب.